المجزوءة
الأولى: الوضع البشري
المفهوم الأول :
الشخص
المحور الثالث :
الشخص بين الحرية والضرورة
الإطار الإشكالي
للمحور
رغم أن الشخص يتميز
بهوية خاصة وقيمة متميزة، إلا أنه ينتمي إلى جماعة ومجتمع معين، ويعيش وفق شروط موضوعية
تجعله يدرك أن وجوده مشروط بضرورات نفسية وبيولوجية داخلية أو ضرورات اجتماعية واقتصادية
وثقافية خارجية. إن هذا الازدواج في بنية وجود الشخص هو ما يجعلنا نتساءل: هل الشخص
ذات حرة أم أنه كيان خاضع لإشراطات وحتميات؟ بأي معنى يكون الشخص، باعتباره حرية وفاعلية
ومشروعا، قادر على التعالي على كل الاشراطات والضرورات المحيطة به وتجاوزها؟
1- موقف
اسبينوزا: القول بالحرية يخفي جهلا بالأسباب.
يرى اسبينوزا أن
الناس يعتقدون أنهم أحرارا في أفعالهم وأنهم يتصرفون وفق إرادتهم واختيارهم، لاسيما
أنهم يكونون على وعي بما يقومون به، إلا أن الحقيقة بخلاف ذلك؛ فالناس يجهلون الأسباب
الحقيقية لأفعالهم ورغباتهم والتي تحددها بشكل طبيعي وحتمي.
إن التجربة تبين
حسب اسبينوزا أن الناس لا يستطيعون التحكم في شهواتهم بما فيه الكفاية؛ ذلك أنهم غالبا
ما يدركون الأفضل ومع ذلك يفعلون الأسوء وينتابهم الندم من جراء ذلك. وفي هذا السياق
يقدم اسبينوزا أمثلة تتعلق برغبة الرضيع في حليب الأم، وبحالة الغضب التي تنتاب الشاب
وهو يريد الانتقام، وبرغبة الجبان في الفرار، لكي يبين لنا من خلالها أن هؤلاء وغيرهم
من الناس يظنون أنهم أحرارا أثناء قيامهم بتلك الأفعال وغيرها، إلا أن واقع الأمر عكس
ذلك فهناك أسباب خفية تقف وراء أفعالهم تلك وتوجهها.
هكذا فمن الوهم الاعتقاد
حسب اسبينوزا، بأن الإنسان حر نظرا لجهله بالأسباب التي تحرك أفعاله وأقواله، وهي أسباب
لا تخرج عن إطار الحتمية الطبيعية التي تخضع لها جميع الأشياء.
2- موقف
سارتر: الحرية والمسؤولية.
يرى سارتر أن الإنسان
كشخص هو مشروع مستقبلي، يعمل على تجاوز ذاته ووضعيته وواقعه باستمرار من خلال اختياره
لأفعاله بكل إرادة وحرية ومسؤولية، ومن خلال انفتاحه على الآخرين. ولتأكيد ذلك ينطلق
سارتر من فكرة أساسية في فلسفته وهي “كون الوجود سابق على الماهية”، أي أن الإنسان
يوجد أولا ثم يصنع ماهيته فيما بعد.إنه الكائن الحر بامتياز، فهو الذي يمنح لأوضاعه
معنى خاصا انطلاقا من ذاته؛ فليس هناك سوى الذات كمصدر مطلق لإعطاء معنى للعالم.
إن الشخص هو دائما
كائن في المستقبل، تتحدد وضعيته الحالية تبعا لما ينوي فعله في المستقبل.فكل منعطف
في الحياة هو اختيار يستلزم اختيارات أخرى، وكل هذه الاختيارات نابعة من الإنسان باعتباره
ذاتا ووعيا وحرية.
3- موقف سيغموند فرويد: الشخص ليس سيد أفعاله
وتصرفاته.
يرى سيغموند فرويد أن الشخص ليس سيد نفسه وأفعاله،
فالجزء الأكبر من سلوكاته وأفعاله يعود إلى حتميات لاشعورية ترتبط بتاريخ الفرد منذ
طفولته المبكرة؛ وذلك من خلال تفاعل مكونات الجهاز النفسي، أي الهو ويمثل الميول والدوافع
والغرائز؛ الأنا الأعلى ويمثل القيم والمعايير الاجتماعية التي يتشربها الطفل من محيطه
عن طريق التنشئة الاجتماعية، الأنا وتقوم بوظيفة تنسيقية بين رغبات الهو وإملاءات الأنا
الأعلى و إكراهات العالم الخارجي. وهذا التفاعل يوضح أن الشخص محكوم بحتميات لا شعورية
قد لا يعيها، وتتجلى في مجموعة من السلوكات اللاواعية ( فلتات اللسان ، زلات القلم
، الأحلام ...) .
تركيب:
تأسيسا على ما تقدم، يتضح أن الشخص مسيج بجملة من الشروط والإكراهات، النفسية والاجتماعية والثقافية؛ والتي
قد تتجاوز إرادته. غير أن قدرته على التخطيط لمشاريعه وتحقيق تطلعاته، لا تنفي قدرته
على الفعل والاختيار...
إرسال تعليق