GuidePedia

0


المجزوءة الأولى: الوضع البشري

المفهوم الأول : الشخص

المحور الأول : الشخص والهوية


الإطار الإشكالي للمحور


إن المقصود بالهوية أن الشيء هو هو ؛ فالهوية الفردية للشخص تنحصر في نظرته لنفسه وتعريفه لذاته ، وهذه الهوية لم تولد معه بل تشكلت من خلال المجتمع . وهكذا تظهر مبكرا إشكالية الهوية عند الطفل خاصة إذا كان ينمو في وسط تغيب فيه المرجعيات ، نقول أحيانا إن مشكلة الهوية مشكلة اليافعين. فكل شخص يقدم نفسه ك"أنا" ويضفي على تجاربه الشخصية طابعا ذاتيا حيث يتمركز الحديث حول الأنا. يقول لوك " لكي نهتدي إلى ما يكون الهوية الشخصية لا بد لنا أن تتبين ما تحمله كلمة الشخص من معنى، فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها ،" إذن على أي أساس تقوم الهوية الشخصية: هل على أساس الوحدة والتطابق أم على أساس التعدد والاختلاف؟ كيف تتشكل الهوية الشخصية: هل في نطاق الاستقلال عن العالم والآخرين أم في نطاق الانفتاح الدائم على العالم والآخرين؟


1-  موقف جول لاشوليي

    يدافع جول لاشوليي عن أطروحة أساسية مفادها أن المحدد الرئيسي للشخص هو هويته، أي تطابقه مع ذاته وهذا ما يميزه عن غيره، وبالتالي فأساس هوية الشخص هي وحدته النفسية في الزمان عبر مختلف لحظات تطوره المختلفة،أي أن هوية الشخص مرتبطة بأمرين: ثبات الطبع/المزاج ودوامه ثم ترابط الذاكرة وعدم انقطاعها؛ فثبات المزاج تطبع وجودنا النفسي بطابعنا الشخصي ما دام الطبع يتضمن طريقة تصرف الأنا بشكل تلقائي واعتيادي ضمن وضعية تواصلية محددة، وهو ما تضمنه استمرارية الذاكرة على مستوى وظائفها المتعلقة بضبط وتقنين والمحافظة وإحياء أو بعث محفزات أو معلومات للربط بين حاضر الفعل وماضيه، في ارتباط تسلسلي انتكاسي يقاوم النسيان ما أمكن لأن في ذلك خلخلة لهوية الأنا.


2-   موقف روني ديكارت

     لكن ديكارت يؤكد أن الفكر هو ما يمثل هوية الشخص، فالتفكير خاصية ملازمة للذات من خلال ممارسة جملة من العمليات الذهنية ، مثل الشك و النفي والإثبات... وهي عمليات لا تنفصل عنها بل إنها دليل على وجودها الوجود اليقيني الذي لا يطاله الشك، وهذا ما نجد له صدى في عبارة الكوجيطو الشهيرة " أنا أفكر إذن أنا موجود " ومتى ما انقطعت الذات عن التفكير انقطعت عن الوجود.

3-   موقف سيغموند فرويد

     غير أن "سيغموند فرويد" بوصفه عالما نفسيا يقدم تصورا ديناميا للهوية الشخصية مختلفا عن التصور الفلسفي الذي قدمه كل من ديكارت و لاشوليي، فهو يرى أنها تحتاج لعدة قوى: الأنا، الأنا الأعلى، الهو ومتطلبات الواقع. وتربط بين هذه العناصر علاقة تفاعلية، إذ يصدر اللاشعور عن مجموعة من الشهوات والرغبات والميولات يطلب الأنا تحقيقها دون الأخذ بعين الاعتبار بالضوابط الاجتماعية. فيحاول الأنا التوفيق بين تلك الأهواء ومتطلبات الواقع وأوامر الأنا الأعلى الذي يمثل الجانب الأخلاقي الذي يمارس الرقابة على سلوكاتنا، إذ يأمر الأنا بقمع كل رغبة تتنافى مع الواقع. هذا التفاعل يدل على وحدة الهوية الشخصية بالرغم من عدم ثبات الأنا، فهذا الأخير يتغير بحسب ما يكتسبه من العالم الخارجي 
.

خلاصة تركيبية
   من خلال ما سبق نستنتج أن مسألة الهوية الشخصية تتميز بالاختلاف. فقد تكون الأنا قائمة على الوحدة والتطابق وقد تكون متغيرة بتغير الشخص نفسه. ولكن من الأكيد أنها لا توجد في عنصر واحد. بل تكمن في جميع هذه العناصر : الجسد، الذاكرة، الشعور، التفكير، الطبع...المهم هو أن يكون الشخص بامتلاكه لهوية له قيمة تعلي شأنه وتميزه عن بين باقي الكائنات الأخرى

إرسال تعليق

 
Top