الإطار الإشكالي
للمحور:
عديدة هي اللحظات التي يجد فيها
الإنسان نفسه أمام معرفتين، واحدة سليمة والأخرى خاطئة، لكنه مع ذلك لا يعرف بوضوح
الحدود الفاصلة بينهما. هذا ما يستدعي منه ضرورة البحث عن أساس يكوم بمثابة مرجع له
وللجميع من أجل التمييز بين ما هو حقيقي وما غير حقيقي، ويتم على ضوئه كذلك القطع مع
كل المحاولات والمجهودات التي تسعى إلى جعل الحقيقة مجالا لآراء الذات ومنظورها الخاص.
فكيف تتأسس؟ وما هو معيار صدقها، هل هو مطابقتها للواقع أم للفكر أم لذاتها؟
1-
موقف روني
ديكارت : معياري الحدس والاستنباط:
إن العقل عند ديكارت يحتوي على نوعين من الأفكار:
أفكار بديهية، و أفكار استنباطية. و بالتالي فان ديكارت يحدد معيارين رئيسيين للحقيقة
هما الحدس و الاستنباط . والحدس عنده هو إدراك عقلي خالص و مباشر، ينصب على أفكار بديهية
و متميزة في الذهن بحيث لا تحتاج إلى استدلالات عقلية، كأن أدرك أنني موجود أو أن شكل
المثلث هو شكل ذو ثلاثة أضلاع، أما الاستنباط فهو إدراك للحقيقة أيضا إلا أنه غير مباشر،
بموجبه يتم استخلاص حقائق جديدة من الحقائق البديهية الأولية على نحو منطقي صارم .
لذلك فالحقائق التي يُتوصل إليها عن طريق الاستنباط لا تقل أهمية و يقينية عن الحقائق
الحدسية الأولية، مادامت صادرة عنها بواسطة حركة فكرية مترابطة و متصلة، تُفضي إلى
نتائج ضرورية .
2- موقف
ايمانويل كانط : المعيار الكوني المنطقي للحقيقة:
يعتبر كانط أن البحث عن المعيار الكوني للحقيقة
يستدعي طرح السؤال: هل المعيار من طبيعة مادية أم طبيعة صورية...؟
ليؤكد على أنه من
غير الممكن أن يوجد معيار مادي وكوني للحقيقة، لأن الإقرار بوجوده سيقود إلى إلغاء
الاختلاف بين الأشياء والموضوعات، وهذا نوع من العبث أن نتجاوز كل اختلاف بينها. في
مقابل ذلك إذا كان الأمر يتعلق بمعايير صورية وكونية فمن اليسير أن نقر بجواز ذلك،
لأن الحقيقة الصورية تكمن في مطابقة المعرفة لذاتها، كالمعرفة الرياضية التي تشكل نموذجا
لهذه المطابقة بين المعرفة وذاتها. لأنها تمثل معايير منطقية وكونية تنسجم مع قوانين
الفهم والعقل. ومن تمة تكون المعايير الصورية والكونية للحقيقة ليس شيئا آخر سوى المعايير
المنطقية والكونية، أي القوانين الكونية للفهم والعقل.
خلاصة تركيبية:
هكذا يقدم كل ديكارت نظرة أحادية الجانب للحقيقة
فديكارت يميل إلى العقل ويجعله مصدر الحقيقة لكن كانط يقدم تصورا نقديا للحقيقة معتبرا
أن هذه الأخيرة لا توجد في الذهن على نحو فطري كما يقول ديكارت، وليست معطاة بالواقع
الحسي كما يزعم لوك، وإنما تبنى وتشيد. فالحقيقة تبقى إذن مشروطة لما تعطيه التجربة
للعقل، وما يمد به العقل معطيات التجربة.
إرسال تعليق