GuidePedia

0



المجزوءة الثانية: المعرفة    


المفهوم الثاني : الحقيقة     


المحور الأول : الرأي والحقيقة 

الإطار الإشكالي للمحور:                                                           

     عندما نريد التحدث عن مفهوم الحقيقة داخل الخطاب الفلسفي ، يتبادر إلى أذهاننا مضاداتها العكسية. مما يدفعنا ذلك إلى طرح بعض الأسئلة العويصة والإشكاليات المعقدة، مثل:هل يمكن الحديث عن الحقيقة في معزل عن مقابلاتها كالوهم والرأي والاحتمال والاعتقاد؟ وهل يمكن أن نجعل من الرأي الشخصي سندا للمعرفة الحقيقية اليقينية أم أن الرأي مجرد حكم ذاتي تنقصه الحجة العلمية والبرهنة الحجاجية. و من ثم، يصعب علينا الاطمئنان إليه لبناء معرفة حقيقية أو حقيقة يقينية ؟
1-   غاستون باشلار:الرأي عائق إبستمولوجي
     تتقابل الحقيقة مع مجموعة من المفاهيم، كالرأي الشخصي، والظن، والاعتقاد، والاحتمال، والوهم. فالإبستمولوجي الفرنسي غاستون باشلار يعتبر الرأي عائقا معرفيا ، يمكن التخلص منه أيما تخلص، من أجل تكوين معرفة علمية صحيحة وبناءة. فلا يمكن - علميا- بناء معارفنا واستدلالاتنا واستقراءاتنا وأقيستنا الرياضية والمنطقية والعلمية على مجموعة من الآراء الشخصية والمعتقدات العامة أو الخاصة أو الانطباعات المشتركة والحدوس المشوهة؛ لكونها آراء ذاتية شخصية نابعة من الوجدان والقلب والعاطفة، ومرتبطة بالمنافع البشرية والمصالح الإيديولوجية. بينما الحقيقة العلمية نموذج للمعرفة الموضوعية التي تقوم على الحجاج الاستدلالي، والتماسك المنطقي ، والمعرفة الحقة ، والاستنتاج المتماسك نظريا وتطبيقيا:" الرأي نوع من التفكير السيئ، بل إنه ليس تفكيرا على الإطلاق.إنه يترجم الحاجات إلى معارف من خلال تعيينه للأشياء وفق منفعتها، ومن ثم، يحرم نفسه من معرفتها.إننا لا نستطيع أن نؤسس أي شيء كيفما كان انطلاقا من الرأي. ولذلك، يجب القضاء عليه أولا. إن التفكير العلمي يمنعنا من تكوين رأي بخصوص مسائل لا نفهمها، أي بخصوص مسائل لا نعرف كيفية صياغتها بشكل واضح. إذ ينبغي في البداية معرفة كيفية طرح المشاكل. وهذا المعنى الذي تتخذه المشكلة هو الذي يمنح العقل العلمي خاصيته الحقيقية".
2-   موقف روني ديكارت :ضرورة مراجعة الآراء السابقة
    يدعو روني ديكارت إلى ضرورة مراجعة الآراء السابقة لأن معارفنا وأفكارنا التي تلقيناها من المجتمع تحتوي على قدر كبير من الأخطاء، إلا أننا سلَّمنا بها واعتبرناها حقيقية وصادقة عبر التقليد والتلقين، وهي تحتاج إلى مراجعة ونقد يخلصها من تلك الأخطاء ويقيمها على أُسس صلبة، وطريقة هذا التخلص تتلخص في مبدأ الشك المنهجي العقلي الذي يتوجه إلى الأسس المعرفية من أجل تمحيصها بدقة، ثم إعادة بنائها من جديد. (مثال سلة التفاح)، وعملية الهدم وإعادة البناء تتطلب تحررا من كل القيود الحسية والفكرية التي تمنع من الانخراط في هذا الإنجاز. وفعل التوجه إلى الأسس يوفر على ديكارت ضياع الوقت والجهد في مراجعة الجزئيات، لهذا قرر رفض أية فكرة يعثر فيها على أدنى عنصر شك. وهذا واضح من قوله: "بما أن هدم الأسس يتلوه ضرورة انهيار بقية البناء كله، فإني سأوجه هدمي أولا إلى المبادئ المؤسِّسة التي كانت تستند إليها آرائي السابقة".
3-   موقف ليبنز: أهمية الرأي القائم على الاحتمال في بناء المعرفة
    يرى الفيلسوف الألماني ليبنز أن الرأي المبني على الاحتمال يمكن أن يكون مصدرا من مصادر المعرفة العلمية، وخاصة في مجال المنطق، عندما يصعب الحسم في قضية معينة بشكل قطعي، فتتوفر لدينا بعض المعلومات والمعطيات. آنذاك ، يمكن الاستعانة بهذا الرأي الاحتمالي لبناء المعرفة وتكوينها. وفي هذا الصدد، يقول ليبنـز:" إن الرأي القائم على الاحتمال قد يستحق اسم المعرفة، وإلا سوف يتم إسقاط كل معرفة تاريخية وغيرها من المعارف.وبدون الدخول في نزاعات لفظية ، فأنا اعتقد أن البحث في درجات الاحتمال سيكون أكثر أهمية لنا، وهو ما نفتقر إليه، إذ يعتبر بمثابة النقص الذي تشكو منه علوم المنطق لدينا. ذلك، أننا عندما لا نستطيع أن نجزم في مسألة ما بشكل قطعي، فإنه بإمكاننا أن نحدد درجة الاحتمال انطلاقا من المعطيات المتوفرة، ومن ثم نستطيع أن نحكم بطريقة عقلانية على الجزء الأكبر جلاء."
خلاصة تركيبية
    إذا كان الرأي عائقا معرفيا، يجب القضاء عليه كليا ، لأنه يتعارض مع المعرفة العلمية حسب باشلار، كما يجب مراجعة الآراء السابقة لأن معارفنا وأفكارنا التي تلقيناها منذ الصغر تحتوي على قدر كبير من الأخطاء من وجهة نظر ديكارت ، فإن ليبنز يدعو إلى الاهتمام بالرأي القائم على الاحتمال لأنه قد يستحق اسم المعرفة . هكذا نرى أن الرأي يتأرجح بين اليقين واللايقين ، حيث يشكل عائقا معرفيا ثارة ، لكن ثارة أخرى يكون مصدرا من صادر بناء المعرفة.





إرسال تعليق

 
Top